[/img]
قضي الفنان مهند عمر (46 عاما) من قرية برقة شمال الضفة الغربية، جُلّ وقته من السابعة صباحا وحتى العاشرة ليلا بين المطرقة والإزميل والحجر، بغية إخراج لوحة فنية عجز الكثيرون عن عمل مثلها، وهو بذلك يخلد التراث الفلسطيني على طريقته.
وتتجلى إبداعات عمر في أعمال فنية متعددة تسهم كلها في الحفاظ على التراث والتاريخ الفلسطيني، متخذا من النحت والنقش على الحجر أو الرسم الجداري أو عمل الأشكال الفخارية سبلا لذلك.
وابتدأ مهند -كما روى للجزيرة نت- فنه هذا منذ نعومة أظفاره، فأنتج خلال ثلاثين عاما أكثر من سبعة آلاف قطعة فنية معظمها من نحت الحجر، مما أسهم في تعزيز عشقه لهذا العمل أكثر واعتباره فنا أكثر من كونه حرفة أو منفعة، مع أنه لم يخف حاجته المادية إلى مثل هذه الأعمال التي -بنظره- تسهم في توفير قوت أسرته.
وسعى ابن برقة للحفاظ على التراث الفلسطيني بمنحوتاته تلك، عبر تقليده للقطع الأثرية القديمة والنادرة أو بترميمها، خاصة أنها تتعرض باستمرار لمحاولات سرقة إسرائيلية عبر شرائها من "تجار الآثار" أو مصادرتها من المواطنين.
كما يسعى هذا الفنان إلى تنشيط ذاكرة الشبان الفلسطينيين من الأجيال الصغيرة، والتي حسب قوله نسيت التراث الفلسطيني وأدواته نظرا لتغيرات العصر، "فمشغولاتي تمس بشكل أو بآخر حياة الفلسطيني وأدواته المستخدمة في كافة أمور حياته خلال الفترات القديمة".
يتحدى الاحتلال
ويُرجع الفنان الفلسطيني محاولات الاحتلال سرقة مثل هذه القطع الأثرية عبر شرائها بأبخس الأثمان إلى قلة وعي المواطن الفلسطيني بقيمتها، وغياب دور الجهات الرسمية في الحفاظ عليها ضمن متحف وطني بعد شرائها من المواطنين، "إضافة إلى سوء الأوضاع الاقتصادية وعدم توفير تلك الجهات العمل لهم".
ورغم أن أدواته المستخدمة في عملية النحت بسيطة جدا، فإن مهند يعتمد في فنه هذا على سرعة البديهة لديه بالتقاط الشكل المطلوب للقطعة الأثرية التي يراها أو يريد عملها ويحفظها في دماغه، ومن ثم يفرغ ما علق في ذهنه على الواقع سواء بعمل منحوتة حجرية أو رسم جدارية أو عمل فخاري.
ويقول مهند إن أعماله كلها مشابهة جدا لتلك الأصلية، وإن ما يميزها أنها رخيصة الثمن وبنفس طريقة الصنع القديمة، ويتم عملها بإتقان.
[img]رغم الألم ورغم أن مهند يعاني من عجز صحي يصل إلى 40% جراء إصابته برصاص الاحتلال، فإنه يواصل الليل بالنهار كي ينجز عمله، حيث يستغرق نحت بعض القطع أكثر من أسبوعين أحيانا. ولا يبدو أن مهند وغيره الكثير من الفنانين الفلسطينيين يحظون باهتمام رسمي، فهو -كما يقول- لم يجد أي حوافز رسمية لعرض أعماله في أماكن عالمية، "وحتى العرض المحلي لم يكن بالشكل المطلوب ولم يكن له نتاج". واستطلعت الجزيرة نت آراء بعض المهتمين فوجدت أن أعمال مهند مقتناة، حيث يجمع منتصر صلاح -وهو من القرية ذاتها- آلاف القطع الأثرية كهواية ليس أكثر، ويقول إنه في أحيان كثيرة يطلب من مهند عمل بعض القطع النادرة "لأضيفها إلى متحفي الخاص". ورأى منتصر أن ما يقدمه مهند للفن الفلسطيني مميز، خاصة أن لديه قدرة على محاكاة الأشكال التراثية القديمة بشكل كبير، كما لديه إبداع آخر في ترميم القديم وإرجاعه إلى وضعه الأصلي.